الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
وحكى الحسن بن زياد الوضاحي عن أبي حنيفة: (أنه إذا مسح أكثر وجهه..أجزأه). دليلنا: أن أكثر العضو لا يقوم مقام جميعه في الوضوء في الماء القليل، فكذلك في التيمم. فعلى هذا: إن كان قد مسح يديه..لم يجزئه مسحهما، فيعيد اللمعة وحدها، ثم اليدين إن لم يتطاول الفصل. وإن تطاول الفصل.. فهل الفصل يبطل ما مسحه من وجهه؟ فيه طريقان، مضى ذكرهما في الوضوء.
وروي عن علي، وابن عمر، وابن مسعود: أنهم قالوا: (ليس له أن يصيب أهله). وقال مالك: (أحب أن لا يصيب أهله إلا ومعه الماء). وقال الزهري: المسافر لا يصيب أهله، والمعزب يصيب أهله. دليلنا: أنا قد دللنا على: أنه يجوز للجنب التيمم، فلم يمنع من أهله، كما لو وجد الماء. قال الشافعي: (ويجزئه التيمم إذا غسل ما أصاب ذكره، وغسلت المرأة ما أصاب فرجها). وهذا نص الشافعي [في "الأم" 1/39] على أن رطوبة فرج المرأة نجسة. ومن أصحابنا من قال: إنها طاهرة، ويأتي ذكر ذلك.
وقال مالك وأحمد: (لا يجزئه). دليلنا: أنه لو ذكر الجنابة.. لم يكن عليه أكثر مما فعل، وهو: نية استباحة الصلاة، فأجزأه، كما لو اغتسلت المرأة عن الحيض، ثم بان: أنها كانت جنبا، أو توضأ عن حدث البول، فبان: أنه كان ريحا.
وأما في الحضر والسفر القصير: فأكثر أصحابنا قالوا: يجوز قولا واحدا. وحكى ابن الصباغ، والشيخ أبو نصر: أن فيه قولين: أحدهما: لا يجوز؛ لأن استباحة الصلاة بالتيمم رخصة، فاختص بالسفر الطويل، كالقصر، والفطر. والثاني: يجوز، وهو الصحيح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. ولم يفرق بين الحضر والسفر، ولا بين السفر القصير والسفر الطويل، وإنما يختلف الحكم في الإعادة.
وقال أبو حنيفة: (يصح التيمم لها قبل دخول وقتها). دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] إلى قوله: {فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]. فأجاز التيمم للقائم إلى الصلاة، وإنما يصح القيام إليها بعد دخول وقتها. وأما الطهارة بالماء: فظاهر الآية يدل على: أنه لا يجوز قبل دخول الوقت، إلا أنا تركناه بالسنة والإجماع، وبقي التيمم على ظاهر الآية. ولأن التيمم طهارة ضرورة، فلم يصح للصلاة قبل دخول وقتها، كطهارة المستحاضة. إذا ثبت هذا: فقال المسعودي [في "الإبانة": ق\29] وقت التيمم لصلاة الخسوف: عند الخسوف. ولصلاة الاستسقاء: عند خروج الناس إلى الصحراء. وللصلاة على الميت: إذا غسل. ولتحية المسجد: بعد الدخول. وللفوائت: عند تذكرها. وإن تيمم لنافلة لا سبب لها في الوقت المنهي عن الصلاة فيه.. لم يصح تيممه، ولم يستبح به النافلة بعد دخول وقتها، كما لو تيمم لفريضة قبل دخول وقتها.
فإن كانت الصلاتان مختلفتين، بأن كانت الفائتة عليه الصبح، والتي دخل وقتها الظهر، أو العصر، فإن قلنا: إن تعيين الصلاة التي تيمم لها شرط في صحة التيمم لها.. لم يصح له أن يصلي بتيممه الصلاة التي دخل وقتها؛ لأنه لم يعينها في التيمم. وإن قلنا: إن تعيين الصلاة لا يشترط في نية التيمم لها، أو كانت الفائتة عليه موافقة للداخل وقتها، بأن كانت الفائتة ظهر أمسه، والتي دخل وقتها ظهر يومه.. فهل له أن يصلي بتيممه الصلاة التي دخل وقتها؟ فيه وجهان: أحدهما قال ابن الحداد: يجوز. وهو اختيار القاضي أبي الطيب، وابن الصباغ؛ لأنه يجوز له أن يصلي به الفائتة بعد دخول وقت الحاضرة، فجاز له أن يصلي به الحاضرة بعد دخول وقتها، كما لو تيمم للحاضرة بعد دخول وقتها، فأراد أن يصلي به مكانها فائتة عليه، ولأنه تيمم وهو غير مستغن عن التيمم، فأشبه إذا تيمم للحاضرة بعد دخول وقتها. والثاني: من أصحابنا من قال: لا يجوز؛ لأنها فريضة تقدم التيمم على وقتها، فهو كما لو تيمم للحاضرة قبل دخول وقتها.
فأما الواجد للماء، القادر على استعماله.. فلا يصح تيممه، سواء خاف فوت وقت الصلاة، أو لم يخف. وقال أبو حنيفة: (إذا خاف فوت وقت صلاة العيد أو الجنازة.. جاز له أن يتيمم لهما، وإن كان واجدا للماء). دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]. وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصعيد الطيب وضوء المسلم، ما لم يجد الماء». وهذا واجد للماء. وإن وجد ماء يحتاج إليه للشرب، ويخاف إن استعمله في الطهارة التلف من العطش؛ لأنه يقطع مفازة لا يكون فيها ماء.. جاز له أن يتيمم؛ لأن المريض الذي يخاف من استعمال الماء يجوز له تركه وإن كان لا يتلف في الحال، فكذلك هذا مثله.
وقال أبو حنيفة: (لا يحتاج إلى الطلب، بل إذا كان مسافرا لا يعلم وجود الماء.. جاز له أن يتيمم). دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. ولا يثبت له أنه غير واجد إلا بعد الطلب. ولا يجزئه الطلب إلا بعد دخول الوقت؛ لأنه وقت جواز التيمم. فإن طلب قبل دخول الوقت..أعاد الطلب بعد دخول الوقت. قال ابن الصباغ: فإن قيل: فإذا كان قد طلب قبل دخول الوقت، ثم دخل الوقت ولم يتجدد حدوث ماء.. كان طلبه عبثا؟ فالجواب: أنه إنما يتحقق أنه لم يحدث ماء إذا كان ناظرا إلى مواضع الطلب ولم يتجدد فيها شيء.. فهذا يجزئه بعد دخول الوقت؛ لأن هذا هو الطلب. وأما إذا غابت عنه.. جاز له أن يتجدد فيها حدوث ماء، فيحتاج إلى الطلب. فأما إذا طلب بعد دخول الوقت، ولم يتيمم عقبه..جاز له أن يتيمم بعد ذلك، ولا يلزمه إعادة الطلب، إلا أن يتجدد أمر؛ لأنه لما طلبه في وقته.. لم يكلف تجديد الطلب؛ لما فيه من المشقة. وإذا طلب قبل الوقت.. كلف إعادته؛ لتفريطه. وإن كان في مفازة لا يوجد في مثلها الماء غالبا.. فهل يلزمه الطلب؟ فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\30]: أحدهما: لا يلزمه؛ لأنه غير مفيد. والثاني: يلزمه تعبدا.
قال ابن الصباغ: فإن سار بعد تيممه إلى موضع آخر، وطلع عليه ركب يجوز أن يكون معهم ماء بتفتيش ما.. احتاج إلى تجديد الطلب. وأما كيفية الطلب: فهو أن يبدأ بتفتيش رحله؛ لأنه أقرب الأشياء إليه، ثم ينظر في الناحية التي هو فيها يمينا وشمالا، وأماما وخلفا، وهذا إذا كان في سهل من الأرض لا يحول دون نظره شيء. فإن كان دونه حائل صعد إليه ونظر حواليه. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في " البويطي ": (وليس عليه أن يدور في طلب الماء؛ لأن ذلك أكثر ضررا عليه من إتيان الماء في الموضع البعيد). فإذا نظر ولم ير الماء..قال ابن الصباغ: سأل واستخبر من يظن أن عنده علما من الماء، فإن دل على ماء.. لزمه أن يأتيه بثلاث شرائط: إحداهن: أن لا ينقطع عن رفقته. الثانية: أن لا يخاف على نفسه، أو ثيابه، أو رحله. الثالثة: أن لا يخاف فوت وقت الصلاة. وإن وجد بئرا ولا حبل معه، فإن كان يقدر أن يوصل إليها ثيابا حتى يصل إلى أن يأخذ الماء بإناء أو دلو به، أو قدر على ثوب يبله بالماء ثم يعصره ويتوضأ به..لم يكن له أن يتيمم، وسواء قدر على ذلك بنفسه أو بغيره. وإن قدر على نزول البئر بأمر ليس عليه خوف.. نزلها، وإن كان عليه ضرر.. تيمم.
وقال ـ في جماعة معهم دلو ينزحون به الماء، وخاف فوت وقت لو صبر حتى تنتهي النوبة إليه ـ: (يصبر ولا يتيمم). وهذه نصوص متفقة. وقال ـ في جماعة في سفينة، فيها موضع واحد يمكن أن يصلي فيه واحد قائما، وخاف أن يفوته الوقت لو صبر حتى تنتهي النوبة إليه-: (إنه يصلي قاعدا، ولا يلزمه الصبر). وهذا نص مخالف للنصوص الأولى. فمن أصحابنا من عسر عليه الفرق، وجعل الجميع على قولين. ومنهم من حمل الجميع على ما نص عليه، وفرق بينهما: بأن القيام أخف؛ لأنه يسقط في النافلة مع القدرة، بخلاف الطهارة بالماء، والسترة، فإنه لا يجوز تركها بحال.
أحدهما ـ حكاه في "الفروع" ـ: أنه لا يلزمه قبوله، كما لا يلزمه قبول الرقبة في الكفارة. والثاني: يلزمه قبوله، وهو المشهور؛ لأنه لا منة عليه في قبوله؛ لأن العادة جرت أن الفقير يبذله للغني، بخلاف الرقبة. وإن بذل له ثمن الماء.. لم يلزمه قبوله؛ لأن عليه منة في قبول الماء. وإن بذل له الماء بثمن مثله، وهو واجد للثمن غير محتاج إليه في سفره.. لزمه شراؤه، ولا يجوز له التيمم. وإن كان غير واجد لثمن مثله، أو كان واجدا له إلا أنه محتاج إليه لسفره..جاز له أن يتيمم؛ لأن المال الذي معه هو محتاج إليه لإحياء نفسه، فهو كما لو كان معه ماء يحتاج إليه للعطش. فإن بيع الماء منه بثمن المثل، وأنظره البائع إلى بلده، وكان له في بلده مال.. وجب عليه شراؤه ولم يجز له التيمم؛ لأنه لا ضرر عليه في ذلك. وإن كان مع غيره ماء، وهو غير محتاج إليه، ولم يبذله له..لم يجز له أن يكابده على أخذه منه؛ لأن له بدلا، وهو التيمم. وفى كيفية اعتبار ثمن مثل الماء، ثلاثة أوجه، حكاها في "الإبانة" [ق\32]: أحدها ـ ولم يذكر الشيخ أبو حامد غيره ـ: أنه يعتبر ثمنه في موضعه الذي هو فيه، مع وجود العذر. والثاني: يعتبر ثمنه عند السلامة، ووجود الماء غالبا. والثالث: لا ثمن له، ولكن يراعي أجرة مثل من يأتي به إلى ذلك الموضع. وإن وهب له الماء هبة فاسدة، فقبضه.. لم يملكه بذلك. فإن توضأ به.. صح وضوؤه، ولا يجب عليه ضمانه؛ لأن الهبة الفاسدة تجري مجرى الصحيحة في باب الضمان، كما في البيع.
وعلى قياس ما حكيناه عن ابن الصباغ -قبل هذا-: لا يلزمه الطلب فيما لم يغب عن عينه من الموضع الذي طلب فيه للصلاة الأولى.
وقال الزهري: لا يجوز له التيمم، إلا إذا خاف فوت الوقت قبل وجود الماء. دليلنا: أن الله تعالى أجاز التيمم لمن قام إلى الصلاة عند عدم الماء، وهذا موجود فيمن قام إليها في أول وقتها. وهل الأفضل أن يقدم الصلاة بالتيمم، أو يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت؟ فيه ثلاث مسائل: إحداهن: أن يتيقن أنه يجد الماء في آخر الوقت.. فالأفضل أن يؤخر الصلاة ليصليها بالوضوء في آخر الوقت؛ لأن الصلاة في أول الوقت فضيلة، والطهارة بالماء فريضة، فكان مراعاة الفريضة أولى. الثانية: إذا كان على إياس من وجود الماء.. فتقديم الصلاة في أول وقتها بالتيمم أفضل؛ لأن الظاهر أنه لا يجد الماء. الثالثة: إذا كان يرجو وجود الماء.. ففيه قولان: أحدهما: التأخير أفضل؛ لأن مراعاة الفريضة ـ وهي الطهارة بالماء ـ أولى من مراعاة الفضيلة، وهي الصلاة في أول الوقت. والثاني: أن تقديم الصلاة في أول الوقت بالتيمم أفضل، وهو الأصح؛ لأنه فضيلة متيقنة، فلا يجوز تركها لأمر مشكوك فيه. قال أصحابنا: وهكذا المريض العاجز عن القيام، إذا رجا القيام في آخر الوقت. أو رجا العريان وجود السترة في آخر الوقت. أو رجا المنفرد وجود الجماعة في آخر الوقت.. هل الأفضل لهم تقديم الصلاة في أول وقتها، على حالتهم التي هم عليها، أو تأخيرها لما يرجونه؟ فيه وجهان مبنيان على هذين القولين. ولا يترك الترخص بالقصر في السفر وإن علم إقامته في آخر الوقت، وجها واحدا؛ لأن ترك الرخصة غير مستحب. قال صاحب "الفروع": فإن خاف فوات الجماعة لو أسبغ الوضوء.. فإدراك الجماعة أولى من الاحتباس على إسباغ الوضوء وإكماله.
وقال أبو ثور: سألت أبا عبد الله عمن نسي الماء في رحله، فتيمم، وصلى؟ فقال: (لا يعيد). واختلف أصحابنا في ذلك: فقال أبو إسحاق: هي على قولين، كما قال فيمن ترك فاتحة الكتاب ناسيا. ومنهم: من لم يثبت رواية أبي ثور عن الشافعي في هذا، وقال: يحتمل أنه أراد بذلك مالكا أو أحمد. ومنهم: من تأول رواية أبي ثور على: أنه قد فتش رحله فلم يجد، وكان قد خبأه غيره. والطريقة الأولى أصح؛ فإن أبا ثور لم يلق مالكا، وهو يروي عن أحمد، فيكون على قولين: أحدهما: لا يجب عليه الإعادة. وبه قال أبو حنيفة، ومحمد؛ لأن النسيان عذر حال بينه وبين الماء، فصار كما لو حال بينه وبين الماء سبع. والثاني: يجب عليه الإعادة. وبه قال أحمد، وأبو يوسف، وهو الأصح؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]. وهذا لا يقال له: غير واجد، وإنما يقال له: غير ذاكر. ولأنها طهارة تجب مع الذكر، فلم تسقط مع النسيان، كما لو نسي بعض أعضائه فلم يغسلها.
قال أصحابنا: معناه: أنه لا قضاء عليه؛ لأنه فيه في حكم العادم. وإن كان في رحله ماء، فأخطأ رحله وضل عنه، فحضرت الصلاة، فطلبه فلم يجده.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (تيمم وصلى). ولم يذكر الإعادة. فاختلف أصحابنا فيها: فمنهم من قال: تجب عليه الإعادة؛ لأنه غير عادم، وإنما هو ناس. ومنهم من قال: لا تجب عليه الإعادة؛ لأنه غير منسوب إلى التفريط في طلب الماء، بخلاف الناسي، فإنه مفرط. فأما إن ضل هو عن القافلة، أو عن الماء.. تيمم وصلى، ولا إعادة عليه.
وقال في "الأم" [1/40] (لا إعادة عليه؛ لأنه كلف ـ فيما ليس معه ـ الطلب المؤدي على الظاهر، وغلبة الظن دون الإحاطة به). قال ابن الصباغ: وظاهر هذا: قولان. قال: ومن أصحابنا من قال: ليست على قولين؛ وإنما هي على اختلاف حالين: فالموضع الذي قال: (لا إعادة عليه)؛ إذا كانت البئر خفية، مثل أن كانت في بسيط من الأرض لا علامة عليها. والموضع الذي قال: (عليه الإعادة)؛ إذا كانت علامتها ظاهرة، فيكون قد فرط في طلبها.
وهل يلزمه استعماله، أو يجوز له الاقتصار على التيمم؟ فيه قولان: أحدهما: لا يلزمه استعماله، ولكن يستحب له. وبه قال مالك، وأبو حنيفة، والأوزاعي، وداود، والمزني؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. وأراد به: الماء الذي تغسل به الأعضاء، وهذا غير واجد له. ولأن هذا ماء لا يطهره، فلم يلزمه استعماله، كالماء المستعمل. ولأنه لو وجد بعض الرقبة في الكفارة.. جعل كالعاجز في جواز الاقتصار على البدل، فكذلك هذا مثله. والثاني: يلزمه استعماله. وبه قال معمر بن راشد، وعطاء، والحسن بن صالح، وهو الصحيح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]. فمنها دليلان: أحدهما: أنه أمر بغسل هذه الأعضاء، فإذا قدر على غسل بعضها..لزمه ذلك بظاهر الآية. والثاني: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]. فذكر الماء منكرا، فاقتضى: أنه إذا وجد ماء ما..لم يجز له التيمم؛ لأنه لو أراد ما يغسل به جميع الأعضاء.. لقال: (فلم تجدوا الماء). فاختلف أصحابنا في مأخذ هذين القولين. فمنهم من قال: هما مأخوذان من القولين في جواز تفريق الوضوء: فإن قلنا: لا يجوز التفريق.. لم يلزمه استعمال ما معه من الماء. وإن قلنا: يجوز التفريق.. لزمه استعماله. ومنهم من قال: القولان أصل في أنفسهما، وهو الأصح. فإذا قلنا: يلزمه استعماله.. نظرت: فإن كان محدثا.. فإنه يلزمه استعمال الماء في وجهه، ثم في يديه، إلى حيث بلغ، على الترتيب في أعضاء الوضوء. وإن كان جنبا.. فالمستحب: أن يستعمل الماء في رأسه، وفي أعالي بدنه. هكذا قال أصحابنا. ولو قيل: المستحب أن يستعمله في أعضاء الطهارة؛ لأنه هو المستحب في ابتداء غسل الجنابة..كان محتملا. وفي أي موضع من بدنه استعمله.. جاز؛ لأن الترتيب غير مستحق في الغسل. ويجب أن يستعمل الماء أولا، ثم يتيمم بعده، بخلاف الجريح؛ لأن التيمم هاهنا لعدم الماء، فلا يصح مع وجوده. وإن كان على بدنه نجاسة.. لزمه استعمال ما معه من الماء في إزالتها، أو في إزالة ما قدر عليه منها، قولا واحدا؛ لأن التيمم لا يصح عن إزالة النجاسة. |